عيناك تراقبني

عيناك تراقبني

مرَّ الوقت ببطءٍ بغيض.. كل دقيقةٍ فيه تعادل دهراً.. عيناي لا تفارقان باب المقهى.. وقلبي يفزُّ مع دخول كل زبونٍ جديد.. ليهدأ بخيبة عندما يُدرِك أن الزبون ليس من ينتظره بلهفة.. كانت تساؤلاتي في تزايد عن سببِ تأخرها.. فهي لم تتأخر يوماً خلال الشهرين اللذين راقبتها فيهما..
تأتي كل يوم أحد في تمام الساعة الخامسة عصراً لتجلس على طاولتها المنعزلة في زاوية المقهى وتقرأ كتابها.. تندمج معه لدرجة أنها لا تلاحظ نظراتي التي تفصّلها تفصيلاً طوال الخمسة وأربعون دقيقة التي تقضيها أمام عينَيّ.. أراقبها على أمل أن أروي شوقي لها فأجد نفسي قد غرقتُ في إدماني أكثر..
أدمن تفاعلها مع كل ما تقرأ.. ما بين إبتساماتٍ عميقة تجعل قلبي أسيرها.. وإنزعاجٍ يصحبه حاجبيَن مقطوبين يجعلاني أبتسم خلسة.. أو توترٍ يجعلها تعض شفاهها فتُربكني بحركتها وترغمني على غضّ بصري لثوانٍ.. تفاعلها مع كتبها هو الذي أوقعني في شباكها سهواً.. مراقبتي التي بدأت بعفوية وفضول تحولت إلى إدمان لا خلاص منه.. فأصبحت ترافقني بفكري وقلبي على الدوام.. وأصبح يوم الأحد هو كل ما أتطلع إليه خلال أيامي الرتيبة..

فُتح الباب مجدداً.. فَفزّ قلبي بعنف.. وهذه المرة من دون خيبة.. لقد أتت.. سارت نحو طاولتها بخطواتٍ هادئة وتركت كتابها عليها، ثم إستدارت تقصدُ العامل لتطلب منه قهوتها المعتادة.. مع الحليب والكثير من السكر.. كان قلبي يخفق بقوةٍ أقلقتني.. وكأنه طبلٌ يصدر من سماعات المقهى الكبيرة ويسمعه كل من حولي.. أخذت كوب القهوة من العامل وعادت إلى طاولتها.. راقبتها وهي تُخرج قلماً من جيب معطفها وتفتح الكتاب لتكتب شيء على صفحته الأولى.. ثم تركت القلم على تلك الصفحة وارتشفت القليل من قهوتها.. لتنهض بعدها بدقائق وتغادر المقهى.. راقبتُ الباب بذهول.. لقد غادرت!..
خيبتي هذه المرة لا تقارن بأي خيبة.. ما خطبها اليوم؟.. عدتُ بنظري إلى طاولتها حيث نسيت كتابها.. فوجدته عذراً لألحق بها وأحدثها.. نهضتُ من مكاني وأسرعتُ إلى طاولتها لألتقط الكتاب.. لكن الكلمات على صفحته المفتوحة جعلتني أتوقف..
"اليوم أنا من راقبك.. لخمسة وأربعون دقيقة"
 
Back to blog

Leave a comment